يونيو 08، 2008

ثلاثة شجرات .. وطلبات متعددة


على ربوة عالية، نمت ثلاث شجرات من ثلاث بذور غُرست بجانب بعض. وقفت الشجرات تحت أشعة الشمس ذات يوم يحملن ماذا يُردن أن يصرن عندما يكبرن؟. نظرت الأولى نحو السماء و فكرت فى النجوم التى تلمع ليلاً و قالت: "أتمنى أن أحمل كنوزاً ... أُريد أن أمتلئ بالذهب، و اللؤلؤ و الجواهر الثمينة. أريد أن أكون أجمل صندوق للكنوز فى العالم". تأملت الثانية جدول المياه الذى ينحدر من على الربوة حتى يصب فى المحيط و قالت: "أريد الإبحار فوق المياه، و أنا أحمل الملوك و جنودهم. أتمنى أن أصبح أقوى و أمتن سفينة تجوب المحيطات" أما الثالثة فلم تفكر كثيراً بل قالت: "و أنا لا أريد ان أترك هذا المكان الجميل، و هذه الربوة العالية، بل أريد أن أكبر و أكبر حتى أصير أكبر شجرة فى العالم... و عندما يأتى الناس ليرونى يدهشون لحجمى فيرفعون أعينهم نحو السماء و يقولون: الله.. ما أجمل و أكبر هذه الشجرة.. ما أعظم صنائع الله؟! وهكذا أُذكرهم بقدرة الله و عظمته دائماً" توالت الأيام و الفصول و الأعوام... سقطت الأمطار و سطعت الشمس و كبرت الأشجار الثلاث... و ذات يوم جاء ثلاث حطابين للغابة، نظر الأول للشجرة الأولى و قال: "هذه الشجرة جميلة و ستفى بغرضى". و بضربات من فأسه سقطت الشجرة الأولى و قالت فى نفسها: "الأن سأصبح أجمل صندوق، و سأحمل أغلى و أثمن الكنوز فى العالم" لفتت الشجرة الثانية نظر الحطاب الثانى فقال: "تلك الشجرة هى بالضبط ما أطلب"، و أنزل فأسه بضربات متوالية فسقطت و هى فرحة تقول: "الآن سأصبح أقوى سفينة تجوب المحيطات" أما الثالث، فلم ينظر قط حوله بل قال: "أنا اريد أى شجرة فأى واحدة ستؤدى الغرض" و هكذا سقطت الشجرة التى كانت تريد أن تشير إلى السماء و تُحدث بعظم الله. تهللت الشجرة الأولى عندما أخذها الأول لنجار، و لكنها صُدمت إذ رأت أنها أصبحت صندقاً يوضع فيه أكل اليهائم. لم تتحقق أمنيتها بحمل أغلى المجوهرات و أثمنها، بل حملت التبن و البرسيم لتأكل منها البهائم و الخراف الجائعة. ابتسمت الشجرة الثانية عندما وجدت نفسها داخل ميناء صغير، و لكنها أيضاً صُدمت إذ لم يصنعوا منها سفينة قوية، بل مجرد مركبة صيد بسيطة تصبح فقط للإبحار فى البحيرات الصغيرة، لقد كانت أصغر و أضعف من أن يصنعوا منها سفينة كبيرة. أما الشجرة الثالثة فأخذها الحطاب و صنع منها أعواداً كثيرة ثم ألقى بها فى مخزن ما...بكت الشجرة و هى تفكر إن كل ما كانت تتمناه أن تصبح شجرة كبيرة تمجد الله و تُحدث بعظمته. مرت أيام و ليالى و قاربت الشجرات الثلاث على نسيان أحلامهن... و لكن ذات ليلة أضاءت السماء بنجمة براقة... شعرت الشجرة الأولى بيد تمسك بها و تقول: "هذه تصلح لوضع طفل بها إذا ملأناها بالتبن" و فجأة تهللت إذ أدركت الشجرة الأولى أنها فعلاً تحمل داخلها أعظم و أثمن هدية للبشرية كلها. و ذات مساء تعب السيد و تلاميذه فركبوا المركب المصنوعة من الشجرة الثانية ليعبروا إلى الضفة المقابلة...و فجأة عندما كان السيد مستريحاً نائما على و سادة، هبت ريح عاصفة كادت تُغرق السفينة، فصرخ التلاميذ نحو معلهم قائلين: "أما يهمك إننا نغرق". فقام و انتهر الريح فصار هدوء عظيم قالت الشجرة فى قلبها، لقد اشتهيت حمل الملوك، و أنا الآن أحمل ملك الملوك خالق السماء و الأرض و البحر و كل ما فيها. كم أنا فرحة إذ أخذت فوق ما كنت أشتهى و أتمنى و لو بعد حين حتى إننى كدت أنسى حلمى. صباح يوم الجمعة 14 نيسان شعرت الشجرة الأخيرة بيد تأخذها و تمر بها وسط جمع صارخ و هائج. و إذا بيد تسمر عليها... أدركت إنه الخالق... أقشعرت... شعرت بأنها قاسية...هذه القسوة فوق الأحتمال، لقد استخدموها كصليب لهذا الفادى الحنون المحب. تألمت الشجرة و كادت تبكى... و هى ترى السماء تظلم و الأرض تتشقق تمنت لو استطاعت بأن تنزل هذا المصلوب عنها... و لكنه أسلم الروح و مات. و لكن... فى فجر يوم الأحد قام المسيح بزلزلة عظيمة قفزت الشجرة من الفرحة... لقد أعطتها القيامة القوة... لم تعد علامة للضعف بل علامة للنصرة و القوة و الغلبة و المحبة...تحققت أمنية الشجرة على أعلى المستويات، لقد أصبحت تشير إلى عظمة الله و قدرته التى لا تُحد... و كل من يراها يُمجد الله بل و ينال الخلاص. فكما رفع موسى الحية فى البرية و كان يبرأ مل من لدغتة الحية، هكذا ابن الإنسان رُفع على الصليب ليُحرر أولاده من عبودية العدو. نالت الشجرة أمنيتها و لو بطريقة أخرى... أليس هذا أفضل من أن تظل شجرة كبيرة على ربوة عالية؟!

هل طلبت من الرب طلباً و لم يتحقق؟ هل تمنيت أمنية و لكنك تشعر بأن الظروف لن تحلم أبداً بتحقيقها؟ ثق يا حبيبى أن الله يستجيب بطريقة أروع و أكمل مما نتخيله أو نتمناه و حتماً سيأتى و لو فى الهزيع الأخير ليحقق طلبات كل المؤمنين. نعم يا حبيبى أن الله لم و لن ينساك. و لكنه لا ريب آت فى الوقت الذى يختاره هو... فى ملىء الزمان... كن مستعداً و منتظراً قدومه إليك.
"يا صانعى أنت عالم بما يناسبنى، و هل يسعنى أن أفكر بأن خالقى الذى عرف كيف يكوننى قد نسى كيف يعاملنى؟" القديس أغسطينوس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق