‏إظهار الرسائل ذات التسميات العناية الالهية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العناية الالهية. إظهار كافة الرسائل

مايو 08، 2023

حوار مع نملة



إذ أحب سليمان الحكيم الطبيعة انطلق من وقت إلى آخر إلى حدائقه وأحيانًا إلى شواطئ
النهر كما إلى الجبال والبراري، وكان يراقب بشيء من الاهتمام الحيوانات والطيور والأسماك حتى
الحشرات، حيث يرى في تصرفاتها اهتمام اللَّه بها وما وهبها من حكمة خلال الغرائز الطبيعية
.
لفت نظره نملة صغيرة تحمل جزءً من حبة قمح أثقل منها، تبذل كل الجهد لتنقلها إلى جحرٍ صغيرٍ
كمخزنٍ تقتات بها.
فكر سليمان في نفسه قائلاً: "لماذا لا أُسعد هذه النملة التي تبذل كل هذا الجهد لتحمل جزءًا من قمحة؟
لقد وهبني اللَّه غنى كثيرًا لأسعد شعبي، وأیضًا الحيوانات والطيور والحشرات"!
أمسك سليمان بالنملة ووضعها في علبة ذهبية مبطنة بقماشٍ حریريٍ ناعمٍ وجميل،ٍ ووضع حبة قمح...
وبابتسامة لطيفة قال لها: "لا تتعبي أیتها النملة، فإنني سأقدم لكِ كل یوم حبة قمح لتأكليها دون أن تتعبي...
مخازني تُشبع الملایين من البشر والحيوانات والطيور والحشرات." شكرته النملة على اهتمامه بها، وحرصه على راحتها.
وضع لها سليمان حبة القمح، وفي اليوم التالي جاء بحبة أخرى ففوجئ أنها أكلت نصف الحبة وتركت النصف الآخر. وضع الحبة وجاء في اليوم التالى ليجدها أكلت حبة كاملة واحتجزت نصف حبة، وهكذا تكرر الأمر یومًا بعد یوم...
سألها سليمان الحكيم: "لماذا تحتجزین باستمرار نصف حبة قمح؟" أجابته النملة: "إنني دائمًا احتجز نصف الحبة لليوم التالي . كاحتياطي أنا أعلم اهتمامك بي، إذ وضعتني في علبة ذهبية، وقدمت لي حریرًا ناعمًا
أسير عليه، ومخازنك تشبع البلایين من النمل، لكنك إنسانٌ... وسط مشاغلك الكثيرة قد تنساني یومًا فأجوع، لهذا
احتفظ بنصف حبة احتياطيًا. اللَّه الذي یترآني أعمل وأجاهد لأحمل أثقال لا ینساني، أما أنت قد تنساني"!
عندئذ أطلق سليمان النملة لتمارس حياتها الطبيعية، مدركا أن ما وهبه اللَّه لها لن یهبه إنسان!
أنت لا تنساني
- قد تنسي الأم حتى رضيعها،
أما أنت یا رب فلا تنساني!
قد تسمح لي بالحياة المملوءة كلامًا،
لكن شعرة واحدة من رأسي لا تسقط بدون إذنك!
رعایتك فائقة وعجيبة لكل خليقتك،
لكنني لن أدرك آمالها إلا یوم مجدي،
أراك تحملني إلى حضن أبيك،
وتهبني شرآه المجد الأبدي!
فأدرك أن لحظات المرّ التي عشتها كانت طریق خلاصي،
اكتشف حكمتك الفائقة وأبوتك الفریدة.
حقًا إنك لا تنساني!
في مشاغلي الكثيرة قد أنسي حتى احتياجات جسدي،
وأهمل حتى نفسي الوحيدة!
أما أنت فترى نفسي أثمن من العالم كله!
نزلت إلى أرضنا لتقتنيني،
وقدمت دمك الثمين لخلاصي!
ووهبتني روحك القدوس ليجدد أعماقي!
نعم إني أنسي نفسي، أما أنت فلا تنساني

فبراير 22، 2023

الاستاذ يناير ( قصة من أوروبا الشرقية )

عاشت طاطا و والدتها فى بلدة ريفية بجوار منطقة غابات تتحول فى الشتاء الى قطعة من التلج , حيث يكسو التلج الاشجار و تتغطى كل الارض بطبقة كثيفة منه . 
و كانت لديهم فتاة صغيرة خادمة اسمها باطا , رقيقة جدا و بشوشة , تخدمها بفرح و تهليل , بينما كانت علامات التبرم و البؤس تظهر على وجه طاطا و وجه والدتها .
شعرت طاطا بالغيرة من خادمتها الصغيرة فكل أهل القرية كانوا يحبونها و يلاطفونها و كانوا معجبين ببشاتها . 
و عندما حل فصل الشتاء و اكتست القرية كلها بالثلوج , أرادت طاطا أن تتخلص من باطا , فقالت لها " اذهبي الى الغابة و اقطفى لي خمسة زهور من البنفسج و تعالي , احذرى أن تأتي بدون الزهور , فانك ستنالين عقابا مرا " 
تعجبت باطا من الطلب , و برقة قالت لسيدتها طاطا " ألا تعلمين أن الشتاء قد حل , و الثلج يملأ الغابة , فكيف نجد زهرة بنفسج وسط الثلوج ؟ " 
قبل أن تجيب طاطا صرخت الأم فى وجه باطا " لماذا تقولين هذا ؟ ألا تسمعي لسيدتك . اخرجى الى الغابة , و أنا أحذرك من العودة دون أن تحضرى طلب سيدتك " 
خرجت باطا و هي لا تعرف ماذا تفعل , لكنها انطلفت الى الغابة و كانت رجلاها تغرسان فى الثلج , و اذ شعرت بالريح الشديد و الثلج الذي كاد يجمدها صرخت اللى الله لكي يرشدها ماذا تعمل ؟ 
فجأة لاحظت نارا متقدة على تل بالقرب منها و حوله يجلس اثنا عشر رجلا , أربعة يلبسون ثيابا بيضاء , و أربعة ثيابا خضراء , و أربعة ثيابا لونها بني و الاربعة الاخرين ثيابهم رصاصية اللون .
انطلقت اليهم و هي ترتعش , و برقة قالت لهم " سادتي الاحباء ضهل تسمحوا لي أن أستدفىء , فاني كدت أتجمد , و أنا أطمع فى محبتكم و حنوكم " 
اذ جلست باطا بجوار النار شعرت بالدفىء و صارت تشكر الرجال على محبتهم و ترفقهم بها . تطلع اليها أحد الرجال اللابسين الثياب البيضاء و قال لها " أعرفك بنفسي فأنا يناير , فمن أنت ؟ و ما الذى جاء بك الى هذه الغابة ؟ و ماذا تطلبين ؟" أجابته الفتاة " انا فتاة أعيش مع سيدتي الصغيرة طاطا و والدتها . انى احبهما و أخدمهما بكل قلبي و اشتهي سعادتهما , و لم أرفض لهما أي طلب , و اليوم صباحا طلبت مني طاطا أن أقطف خمسة زهور من البنفسج من الغابة , و لما قلت لها أنه لا يوجد زهور بنفسج وسط الثلج , زجرتني هي و والدتها " 
تسللت الدموع من عيني باطا , لكن يناير قال لها " لا تبكين يا ابنتي اللطيفة , فاننا كلنا نخدمك كما انت تخدمين الاخرين " ثم طلب يناير من مارس أن يخدم تلك الفتاة الرقيقة فى كلماتها و تصرفاتها . 
للحال نفخ الأستاذ مارس فى النار فاشتعلت جدا و ذاب الثلج ثم ظهرت بعض زهور البنفسج . 
لم تعرف باطا كيف تشكر هؤلاء الرجال , و في بهجة قلبها قطفت بعض زهور البنفسج و هي تقول لهم " شكرا لكم فانكم ستفرحون قلب طاطا و والدتها " 
انطلقت باطا الى المنزل و كان المساء قد حل , و كم كانت دهشة طاطا و والدتها حين رأتا زهور البنفسج فى يديها تقدمها متهللة . 
أخذت طاطا الزهور دون أن تنطق بكلمة شكر , و تطلعت لوالدتها كأنها تريد أن تقول شيئا , عرفت الأم ما قى ذهن ابنتها طاطا , فسألت باطا " من أين أتيت بهذه الزهور ؟" 
روت باطا لهما مع حدث معها فتعجبتا جدا , و خاصة أن رائحة الزهور كانت جميلة و ظهر عليها أنها مقطوفة حديثا . 
 فى الصباح تطلعت طاطا الى باطا , و قالت لها " اذهبي احضري لي خمسة تفاحات من الغابة " و قبل أن تنطق باطا بكلمة زجرتها الأم و أملرتها أن تطيع دون أن تنطق بكلمة و الا تعرضت لعقوبة قاسية , 
خرجت باطا الى الغابة و تكرر معها مع حدث باليوم السابق , و دهش الرجال لعودة باطا . سألها الأستاذ يناير " لماذا رجعت اليوم ؟" اجابته باطا أن طاطا طلبت منها خمسة تفاحات من الغابة , و نحن فى شهر يناير وسط الثلوج و قد تغطت أجار التفاح بالثلوج ! " 
بلطف طلب الأستاذ يناير ن الأستاذ يونيو أن يساعد هذه الفتاة التقية المحبة بشجرة تفاح مثمرة , و اذ طلب يونيو منها أن تهز الشجرة سقطت تفاحتان , فأخذتهما و شكرت جميع الرجال و انطلقت الى البيت . 
بالمساء اذ قرعت الباب فتحت طاطا و دهشت فان باطا تحمل تفاحتين . أخذت طاطا التفاحتين و بعنف شديد وبخت باطا " حتما لقد أكلتي الثلاثة تفاحات !" أما باطا ففي هدوء شديد روت لها ما حدث و أن ما سقط من الشجرة تفاحتين أحضرتهما لها . و اذا ظارادت طاطا أن تعاقب باطا , أمسكت والطتها بيدها و دخلت بها الي حجرتها , ثم قالت لها " لنذق هذا التفاح , فانني لم أر تفاحا كهذا من قبل , من جهة شكله و رائحته الجميلة و حجمه " اذ أكلتا التفاحتين قالت الأم لأبنتها " أشير عليك أن تذهبي غدا الي الغابة حتى تجمعي كل تفاح الشجرة فنأكلها معا !" 
فى الصباح الباكر جدا خرجت طاطا الى الغابة , و ارتدت كل ما عندها من ثياب و كان الريح شديدا حتى كادت أن تتجمد ,  و كانت تجري فى الاتجاه الذى أخبرتها عنه باطا . و أخيرا رأت التل و عليه يقف الرجال حول النار , فانطلقت نحو النار لتستدفئ . 
سألها الأستاذ يناير" من أنت ؟ و لماذا أتيت الى هنا ؟ بوجه عبوس صرخت فى وجهه " لماذا تسالني ؟ ليس من حقك أن تعرف ؟ " 
تضايق الأستاذ يناير من ردها العنيف و طلب من الرجال أن يتركوها وحدها , فهبت رياح شديدة و انطفأت النار , و لم تعرف طاطا ماذا تفعل , فقد كادت تتجمد من البرد و الثلج و الرياح , و صارت عاجزة عن الحركة . 
مرت الساعات حتى حل المساء , و لم تحضر طاطا , فقلقت والدتها جدا و انطلقت الى الغابة وسط الظلام فى الجو العاصف تبحث عن ابنتها . بقيت باطا فى المنزل وحدها , و كانت دموعها لاتجف و هي تترقب مجئ طاطا و والدتها , لم تنم الليل كله و حل الصباح و عبر يوم فيومين فأسبوع فشهر و أدركت حتما أنهما تجمدتا و ماتا . 
استلمت باطا البيت و كل ما فيه و ورثت كل ممتلكاتهما , و فى احدى الامسيات سمعت طرقا على الباب , ففتحته و اذا بها تجد الاثنى عشر رجلا واقفين . 
استقبلتهم ببشاشة و حب و شكر من اجل عماهم معها , و اذ سألتهم ان كانوا يعرفون شيئا عن طاطا و والدتها , فأخبروها بأنها بسبب عنفها و قسوة قلبها لم تجد من يعينها , فتجمدت و دفنت وسط الثلوج فى الغابة , ولا يعرف أحد موضعهما . 
بكت باطا عليهما بمرارة , لكن الرجال طيبوا قلبها و تقدموا اليها قائلين " نحن شهور السنة كلها , هوذا الأربعة فصول فى خدمتك , أوجدنا الله الهك من أجلك , كل منا يقدم لك ما هو لبنيانك . 
هب لي يارب روح الحنو و اللطف, فأتمتع بحنوك و لطفك 
الزمن كله يصير فى خدمتي , و العدو ابليس يسقط تحت قدمي
هب لي أشاركك اللطف يا كلي الحب