قيل إن سيدة وقفت أمام نابليون بونابرت تشفع بدموعها في ابنها الذي ارتكب جرمًا عظيمًا يستحق عقوبة قاسية. - إني أعلم أنك إنسان رحوم، فأرجو أن تعفو عنه هذه المرة. - إني أحب الرحمة، وقد صفحت عنه في المرة السابقة. - اصفح عنه أيضًا في هذه المرة. - إنه لا يستحق الرحمة، فقد استهان برحمتي السابقة. - أنا أعلم أنه لا يستحق الرحمة، لكنك أنت رحوم. - كيف أقدم الرحمة لمن لا يستحقها؟ - إن قُدِّمت الرحمة لمن يستحقها لا تُحسب رحمة، لكن الرحمة الحقَّة هي التي تُقدم لمن لا يستحقها. صمت نابليون قليلاً ثم قال لها: "لقد أدركت الآن ما هي الرحمة، لذا قررت العفو عنه!"
هذه هي احساسات الرسول بولس وهو يقول: "ونحن أعداء قد صولحنا مع اللَّه بموت ابنه" (رو 10:5)، فقد تحققت مراحم اللَّه بالعفو عنَّا ومصالحتنا مع اللَّه ونحن أعداء ومقاومون له! أعطيناه القفا فأعطانا وجهه، قاومناه بكل طاقاتنا فبذل حياته لأجلنا... أحبنا أولاً حتى نذوق مراحمه المجانية فنتقبله فينا، عندئذ نفتح قلوبنا بالمراحم والحب له، بل ولكل البشرية، فنرحم من نحسبه لا يستحق الرحمة، ونُحب من نظنه لا يستحق حبنا!
أشكرك يا رب لأنك بالحق رحوم! رحمتني أنا غير المستحق الرحمة. فتحت أبواب أحضانك أمامي أنا الهارب من وجهك، جذبتني بالحب إلى أحشائك الملتهبة بنار الحب! تصهر طبيعتي القاسية وتُجددها، أحمل شركة الطبيعة الإلهية، فتفيض المراحم من أعماقي لمن لا يستحق المراحم! ويشرق الحب من داخلي على من يبدو غير مستحقٍ لحبي! تُحوّل أعماقي إلى مراحم لا تعرف الحدود، ويتحول كياني إلى نار حبٍ لا تستطيع كل مياه العالم أن تطفئها! أنت الحب كله... اجعلني بالحق محبًا ورحومًا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق