أغسطس 02، 2011

ملاك الرأفة


اعتادت سارة أن تدخل الكنيسة كل يوم مع زوجها الكاهن "سجاز آب" أى "نعمة الآب" لتشترك مع الشعب في صلاة رفع البخور أو صلوات القداس الإلهى، لكن هذه المرة دخلت الكنيسة بمفردها. ولم يكن في الكنيسة أحد قط، وإذ كانت الأبواب والنوافذ مغلقة كانت أنوار "القناديل" تتلألأ امام أيقونات الرب يسوع وأحبائنا القديسين. سارت المرأة في هدوء وسكون تجاه الهيكل، حيث انحنت بخشوع ساجدة، وهى تترنم:"أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد أمام هيكل قدسك بمخافتك".
قامت المرأة ورفعت أنظارها إلى صورة الرب المصلوب التى فوق باب الهيكل، وصارت تهمس بكلمات لم يسمعها أحد. كانت تارة تُحرك شفتيها بصوت غير مسموع، وتارة تترك قلبها ينطق بما يعجز لسانها عن النطق به،وثالثة تسكت قلبها لتقف في صمت أم الرب الذي أحبها وأسلم ذاته لأجلها .
لكن العدو حاول أن يحاربها بالانشغال بعدم إنجابها، أما هي ففي حكمة سلّمت
الأمر بين يدىّ خالقها، إذ صرخت في أعماق نفسها قائلة في هدوء:
"ربى يسوع المسيح، أنت ملك الملوك ورب الأرباب. أنت عون الذين في الشدائد والضيقات، رجاء الخليقة كلها. فرح الحزانى والمتعبين، لك تسجد أعمد البرق. ولك يخضع الرب والرياح والعواصف، وبقوة لاهوتك يسير الفلك.اسمعنى، وارزقنى ولذا يُرضى صلاحك، وإن كان لا يُرضيك فأغلق أحشائى يا إلهى.
لك ينبغى المجد والكرامة والعز والسجود، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور. آمين."
جففت المرأة عينها، وخرجت من الكنيسة، وقلبها مملوء هدوءاً. وإذ ذهبت إلى بيتها، بدأت تفكر في الحياة الأبدية كعادتها، لكن هذه المرة تزايد حنينها جداً إلى ربنا يسوع، وتاقت نفسها لو انطلقت من هذا الجسد وعبرت إلى الفردوس لتحيا مع الرب، منتظرة يوم الدينونة المجيد.
وفيما هي تفكر في هذه الأمور، بدأت تتسأل ولماذا لا تُسلم كل أموالها لربنا يسوع في أيدى أخوته الفقراء، إذ كانت غنية جداً، ورثت الكثير عن والدها الثرى. لقد اعتادت ان تعطى بسخاء، حتى لقبها الناس من أجل محبتها للفقراء وسخائها وكثرة فضائلها "أكزيهارية" أى "مختارة الله". وكانت بالأكثر في كل يوم اثنى عشر من الشهر تحتفل بعيد رئيس الملائكة ميخائيل بعمل ولائم ضخمة للفقراء بعد صلاة القداس الإلهي. وكان زوجها الكاهن لايدخل الكنيسة ويدها فارغتين.
وفيما هي تفكر هكذا ، إذ برجلها يدخل البيت، ويرى فيها شكلاً جديداً وكأنه لم ينظرها قط بمثل هذه الصورة البهية التى كانت عليها، مع أنها كانت على الدوام، وهى جميلة المنظر جداً، لاتنقطع البشاشة عن وجهها، ولا يرفع صوتها الهادىء مهما كانت الظروف. لكنه فى هذا اليوم رأها كملاك الله. سلم الأب عليها، وبلطف قالت له: " أبى الحبيب. لقد خطر بى فكر أود أن أعرضه عليك، إن حسن في عينيك افعله، وإلا فارفضه".
خير ياأختى.
خير ياأبى. وهبنا الله مالاً كثيراً، ونحن الآن ليس لنا ابن يرثنا. ألا ترى معى أنه خير لنا أن نتصدق به على الفقراء والمساكين، ونقدم الباقى للكنيسة؟ أما يلزمنا يا ابى أن نعتق العبيد و الجوارى، حتى يعتقنا الله من عبودية الخطية ويعيننا؟
- أختى المباركة، إن مشورتك هذه صالحة وعظيمة. لكن لا تتعجلى، لأن الله يريدنا ألا ننذر شيئاً ونندم عليه.
- كيف نندم يا أبى
على صدقة نقدمها؟ هل نستطيع أن نتصدق بعد موتنا؟! فلنعطِ اليوم، لأن الصدقة هي أعظم من كل شىء.
وإذ سمع الأب جواب زوجته ابتهجت نفسه في داخله وأدرك أن هذه الفكرة ليست مجرد نزعة طارئة، بل علامة حب حقيقي في داخلها. لهذا ركع مع زوجته وهما يتوسلان إلى الله أن يتنازل ويقبل صدقتهما. ثم قاما، وأخذا يوزعان الكثير من ممتلكاتهما على الفقراء، وقسما نصيباً للكنيسة دون أن يخبرا أحداً من الشمامسة أو الشعب.
وفي المساء إذ جلسا معاً وهما يتجاذبان حديثاً هادئاً انتهى بدعوتهما للعبيد و الجوارى كالعادة، حيث يجلس الكل معاً، ويفتح الأب الكتاب المقدس ويقرأ لهم فصلاً منه، يعقبه بكلمة ثم يشتركون معاً في صلاة الأجبية. انتهت الصلاة، وإذ بدأوا يُقبلون يد الكاهن لينصرفوا لأعمالهم، طلب أن يجلسوا مرة أخرى. جلس الكل معاً، وكانت الزوجة مبتهجة جداً كأنها قد تخلصت من ثقل على كتفها، أو وجدت كنزاً لا ينطق به. أما الأب فصار يُخاطب عبيده وجواريه قائلاً:
" أولادي الأعزاء. لقد رأينا بنعمة الله، أنا وزوجتي أن نخبركم عن أمر يخص حياتكم. إننا يا أبنائي نرجو لكم حياة مباركة سعيدة، فقررنا أن نحرركم لتعيشوا في حياة الحرية".
ذُهل العبيد لذلك، ولم يعرفوا بماذا يجيبون، إذ لم يكن الأب وزوجته يعاملانهم قط كسادة نحو العبيد، بل كوالدين تجاه أولادهم وبناتهم.
مرَّت دقائق سادها صمتٌ كامل، إلى أن بدأ كبير العبيد يقول:
" أبانا الحبيب... وسيدتنا الحنونة... هل أسأنا إليكما حتى تُريدا طردنا؟ إن كنا قد أخطأنا في شىء، فها نحن بين أيديكما، أدِّبانا كيفما شئتما... فإننا نودّ أن أن نبقى معكما".
ابتسم الأب الكاهن وقال: "لا يا ولدي. لسنا نقصد تأديبكم. إنما نحن نحبكم ونريد تحريركم، حتى يُحررنا الله من خطايانا، ويُعيننا في طريق الخلاص. ونحن يا ولدى سنعطيكم كل احتياجاتكم ونُعينكم في إيجاد عمل لكم".
- أبي. إننا نرجو من محبتك وأبوتك أن تتركنا معكما، فقد تعلًّقت قلوبنا بكما.
- الرب يبارك عليكم يا أولادي ببركة آبائي الكهنة إننى أطلقت سبيلكم. ومن يريد البقاء معي فليبقى كحُر وليس عبداً.
بحث لهم الأب عن أعمال وساعد الكثيرين في التجارة وبعض الصناعات ووزع كل بقية أمواله عليهم.
مع الملاك ميخائيل
مرت سنوات و الكاهن وزوجته تغمرها سعادة

داخلية، لكن أمراً ما أقلق نفس الأب، لذلك بعد ما صل صلاة نصف


الليل، بدأ يناجي ربه قائلاً:
"أيها الرب إلهنا المتحنن. تطلع يارب إلى الكرمة التى غرستها يمينك. أنظر إلى شعبك وكنيستك، فإن نفوسنا مرة من أجل ما نسمعه عن الملك الجديد، الذي أنكر الإيمان علانية، وجدّف على اسمك القدوس، وعبد الحجارة التي لا تنطق!
لقد هدم مذبحك وبنى معابد للأوثان! قتل كهنتك وأبرارك، وأحاط نفسه بالسحرة والمشعوذين يكهنون للشيطان في معابد الوثن! أفسد طهارة نساء كثيرات ونزع عفة الفتيات، حتى صارت المدينة كلها في شر عظيم! لقد سمعنا ياربي أن جنوده قد اقتربوا من مدينتنا، فماذا نفعل؟!
أنت حصننا ومعيننا! أنت رجاؤنا وملجأنا!
يا إله رئيس الملائكة ميخائيل، احفظ طهارة شعبك وعفتهم! ربي.إن نفسي بين يديك، لكن احفظ طهارة بنات شعبك وزوجتي حتى لا يبطش بهم هذا الشرير الوثنى".
لم تمض ِ ساعات حتى قام الرجل وزوجته على أصوات ضوضاء شديدة، في وسط ظلام قائم. قام(عطية الله) وزوجته (مختارة الله)، وخرج الأب يرى ماذا جرى بشعبه. رآه الجنود فتركزت أنظارهم عليه، فهرب، والجنود وراءه يحاولون تصويب حرابهم ضده. ألقى بنفسه في مجرى ماء أمامه، ووقف الجنود ينتظرون خروجه لقتله بالحراب.
صرخ الرجل وهو في عمق المياه قائلا ً:
"يا إله رئيس الملائكة ميخائيل أعنى وكل شعبك. أين هى عجائبك يا ميخائيل؟! لماذا تركتنى في ساعة الموت؟! هوذا اليوم يوم ضيق وشدة!"
هكذا كان يصرخ الرجل في عمق المياه، ولم يكن يدرى أن الملاك ميخائيل يظلل حوله كخيمة تحميه من الغرق.
خرج الكاهن بعد ساعات ، ليجد الجند قد تركوه إذ سلب الجند أموال الكثيرين، لكنهم لم يأسروا أحداً سوى زوجته. انهار الرجل أمام منظر شعبه وضيقة نفوسهم، واغتمت نفسه جداً من أجل زوجته التى كانت جميلة جداً، فأدرك أن الجند أخذوها للملك المفُسد لعفة الكثيرات.
دخل الرجل إلى الكنيسة وبكى بكاءاً مُراً، مخاطباً إلهه قائلاِ:
"ليتك سمحت بموتي وغرقى، ولا أرى ضيقة أولادي وإفساد عفة زوجتى. هل يارب قد سمحت أن تأخذ إناءك الطاهر القدوس ليفسده عابد الوثن الشرير؟! ألا تستطيع يدك أن تُخلص وتنقذ؟!
من أجل صلوات قديسيك وملائكتك أذكرها وكل شعبك".
وفيما هو يبكى إذا بشعاع الرجاء يخترق قلبه، فتطمئن ن
فسه جداً بالرب ضابط الكل صانع الخيرات. أدرك الأب أن جميع الأمور تعمل معاًً للخير للذين يحبونه، فكرس وقته كله في خدمة المتألمين وتعزية الحزانى وقيادة كل نفس في طريق خلاصها.
وفى أحد الأيام بينما كان يبخر وسط الشعب ويضع صليبه على رأس كل واحد، إذ به يرى ملكة تلبس ثياباً لم يرَ مثلها، تتحلى بجواهر وحُلىّ لا يُقدر ثمنها، فباركها الأب مثل أخواتها وعاد إلى خدمته.
وبعد نهاية الصلاة، إذ كان يتعرف على الغرباء، ذهب إليها يسألها عن اسمها وبلدها.
- من أنت ياسيدتى، فإننى أراك كملكة صاحبة كرامة عظيمة؟
- حقاً إننى ملكة، وقد خلصى ملاك الله من يد الملك الشرير الذى أراد اغتصابى.
- ولماذا أتيتِ إلى هنا؟
- لقد سمعت أن زوجتك سباها الملك، فأتيت لأكون زوجة لك.
رشم الأب نفسه بعلامة الصليب وانتهر المرأة بعنف قائلاً:
- ما هذا الفكر الشيطانى يا ابنتى. هل يتزوج الكاهن مرة أخرى؟ إننى أؤمن أن الله حافظ زوجتى وسيُعيدها لى.
- إن كان هذا إيمانك فسيردها الله القدير.
- قولى لى من أنت؟
أما هى فكشفت قناع وجهها وهى تقول" إننى زوجتك...أنظر يا سيدى فإننى جاريتك. أنا مختارة الله زوجتك!
وللحال قام الأب وقبل رأسها، وصاح قائلاً:" أين كنتِ يا أختى؟ وما هو حالك؟ وما الذى أتى بك إلى هنا؟"
أجابته بابتسامة لطيفة: " إرادة الله يا أبى قد حفظتنى، وبصلاتك أتيت إلى هنا".
وفى سرعة البرق انتشر خبر مجىء المرأة، فاجتمعت المدينة كلها تشكر الله وتمجده من أجل سلامة عودتها. وفى الغروب امتلأت
الكنيسة بالشعب كله، حيث رفع الأب صلاة الشكر لله، وبعد صلاة رفع بخور، قُدم تمجيد لرئيس الملائكة ميخائيل كطلب زوجته، ثم عاد إلى بيته.
وفي البيت جلس الاثنان يسبحان الله ويمجدانه، وكان كل منهما يسأل الآخر عماّ حدث له.
قال الرجل: "لعلكِ تذكرين ذلك اليوم المشئوم، فقد جريت، ومن غير أن أدرى ألقيت بنفسى في مجرى ماء. كنت أصرخ في وسط الماء. ولما خرجت ظهر لى رئيس الملائكة ميخائيل، وقال لى: لقد أتيت إليك وظللت حولك مثل الخيمة من أجل الثمرة التى تخرج منك، وأنا أكون حافظاً عن هذا الصبى الذى يهبنا الله إياه، ثم أعادنى إل
ى الكنيسة حيث لم أجدكِ وسط الشعب."
أما هى فبدأت تروي له ما جرى لها فقالت: " أما أنا يا أبى فقد حاولت الهروب، لكن بعد ساعات عاد الجنود إلى المدينة، وربما بعدما تأكدوا أنكَ قد غرقت، وصاروا يضربون وينهبون ويسلبون حتى رأونى، وقالوا: لقد وجدنا أثمن هدية يكافئنا عليها الملك مكافأة جزيلة. لقد رأينا سيدة يُسر بها الملك جداً. وللحال أمسكونى، ولو أنهم عاملونى بلطفٍ زائدٍ، كأنني ملكة في أعينهم، لكنني لم أدرِ إلا و الأرض كلها تدور بي، اشتهيت الموت من عمق قلبي فلم أجده. حاولت التخلص لكن بغير جدوى. طلبت مهلة فلم يمهلوننى. حملوني على بغالهم وهم يصيحون بالأغانى الوثنية، هاتفين ومسبحين آلهتهم التى أتت إليهم بحقارتي، لينالوا كرامات وعطايا من الملك بسببي.
كانوا يكثرون السؤال طالبين أن يخدومننى، يخافون علىّ كأني شىء عظيم، يتوسلون إلىَّ أن أطلب شيئاً، أما أنا فكنت كطفلٍِ تائه في قفرِ فسيحٍ بلا معين، وفي مرارة نفسي كنت أصلى إلى مخلصى يسوع طالبة شفاعات رئيس الملائكة ميخائيل عنى.
ساروا بي حتى اقتربوا إلى مدينة الملك، وكانوا يهنئونني أننى بعد قليل أصير ملكة، فلم أكن أبالي بأقوالهم. وإذ يرى الخير سريعاً إلى الملك، أراد مقابلتي، فأدخلوني في القصر، وقدموا لي ثياباً فاخرة وحُلىّ وجواهر كثيرة، ثم أدخلوني إلى حيث الملك، وكان الكل يُحييني، أما أنا فلم تجف دموعي من علي خدّي،
ولم يصمت قلبي عن الصراخ.
قابلني الملك ببشاشة و ابتهاج وسُرّت نفسه بي، لكنه لم يسلمنى قط بل أمر أن يُكرمني بألا يتزوجني إلا في مدينة الآلهة. أمر الجنود أن يذهبوا بي إليها لأتهيأ هناك وفي اليوم الثالث يأتي الملك ويتزوجني في حفل رسمى عظيم.
أمر الملك بإعداد ولائم لا تُحصى وإعداد أمور لم أكن انشغل بها يا أبي ولا حتى أنصت إليها. أخذوني إلى مدينة الالهة. وفي حزني لم أكن آكل أو أشرب.
وفي ليلة مجىء الملك نام الكل من كثرة التعب، أما أنا فلم أذق طعم الراحة.
خلعتُ ثيابهم (الثمينة)، ولبست ثوبى القديم، ورفعت صوتي باكية. كنت أقول:
"ياربي يسوع المسيح. لماذا نظرت إلى جهالاتي، ولم تنظر إلى عبادة عبدك"عطية الله" زوجي الذي يخدمك بقلب طاهر؟!
كيف تُسلمني إلى الأشرار عبدة الأصنام الذين لا يعرفون اسمك؟!
كنت أطلب منك أن تمنحني ثمرة من كاهن ٍ طاهر ٍ، ابن كهنة، فهل تسمح أن تع
طيني ثمرة من وثنى ٍ، لايعرف اسمك القدوس؟
كنتُ يا أبي أصرخ في نفسي كثيراً وأقول: "أيها الرب الإله، رب الخليقة، القادر على كل شىء، الكائن في كل مكان. أنت بعظمة لاهوتك خلّصت دانيال من أفواه الأسود، وخلصت الثلاثة فتية من أتون النار. أنت هو الألف و الياء، الأول والآخر. اظهر قوتك يارب وخلاصك. ولا تطرح عبدتك فريسة في أفواه الوحوش.
وانت يا ملاك ميخائيل لماذا تخلّيت عني و أنا في هذه الشدة؟! أين العهد الذي بينك وبينى، إنك لا تتخلى عنى وأنا أصنع تذكارك في كل اثني عشر من كل شهر؟!
يا ملاك الرأفة والرحمة لا تغفل عن أمتك المسكينة. ساعدني وأنقذني."
وإذ انهارت قواي لم أستطع الوقوف فارتميت راكعة ومستندة على
كرسى بجواري، وإذا بي أفكر في العُرس السماوي. كنت أعاتب عريسي السماوي، هل سيسمح أن يتركني وسط هذا الشر ويحرمني من أمجاد السماء. كنت انظر يا أبي إلى القصر كسجن ٍ مظلم ٍ، واللآلىء كقيود ثقيلة و الطعام كسُم مميت. لم أكن أطيق شيئاً من هذا كله.
كلما مرت الدقائق واقترب الصباح يزداد بكائي، وإذا بي أقوم مرة أخرى لأصلي. وفيما أنا أصلي إذا بنور ٍ شديد ٍ يبرق حولي، فابتهجت نفسي جدا ً، ورأيت حبيبي الملاك ميخائيل. فارتدّت نفسي في، وسمعته يقول لي:" اعلمي أن هذه التجارب لم تأتِ عليكٍ لهلاكك، إنما لينظر الله إلى صبرك، ويظهر عجائبه فيكٍ. ولا يكون إنقاذك من أجلك وحدك، إنما من أجل الابن الذي يولد منك". واختفى الملاك واطمأنت نفسي جداً.
وفي الصباح حضر الملك واستدعي كهنة الأوثان و السحرة ليقدموا ذبائح وتقدمات بمناسبة زواج الملك. ولما احتشد المعبد جداً أُدخلتُ إلى جوار الملك، وإذا بالأغاني ترفع داوية في المعبد كله. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان. حدث برق شديد ورعد من السماء، فذُهل الكل، وصار اضطراب شديد. وإذا برئيس الملائكة ميخائيل يظهر لى و يأتى بى إلى كنيستنا يا أبى".
ابن مبارك
وفي اليوم التالى من وصولها، بينما كانت المرأة تصلي ليلاً ظهر لها الملاك

ميخائيل يبشرها قائلاً:" السلام لك ِ يا مختارة الله. اليوم أبشرك بحمل الولد المبارك، السماء التى لا تُحصي." ثم اختفى الملاك.
وإذ نامت الزوجة رأت في نومها عموداً من نور ٍ في وسط منزلها، ورأسه في السماء، وكل شعب الأرض و الملوك ينظرون إليه مندهشين، وفوقه طيور كثيرة تحوم حوله، وبينما هي تتأمل هذا المنظر إذ بها تسمع رجلها يصيح.فتحت "مختارة الله" عينيها، وأيقظت زوجها وسألته عن سبب صياحه فأجابها: "لقد رأيت يا أختى شمساً مضيئة جداً تحت سريرنا الراقدين عليه، وكواكب كثيرة بلا عدد، ونوراً يضىء على الأرض كلها حتى اختفت المدينة كلها من شدة اللمعان".
ولما انتهى من أقواله أخبرته هى أيضاً بؤيتها.
مرت تسعة شهور وولدت الأم ابنها "تكلاهيمانوت" الذى بعد ثلاثة أيام من ميلاده بسط يديه ورفع نظرة نحو السماء وقال:
"واحد هو الأب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس".
وبعد أربعين يوماً من ميلاده دخل الكاهن ومعه زوجته التى استعدت للتناول ، وعمدّ الأب ابنه باسم الثالوث القدوس.
وفي الليل ظهر ملاك الرب للأب يعلن له أن هذا هو الطفل الذي بشره به من قبل.
مرت أيام قلائل وإذ كان الكاهن وزوجته في ضيق مادي لم يستطيعا أن يستعدا لعمل وليمة الفقراء في عيد الميلاد كعادتهما. بكت الأم متوجعة،وصارت تصرخ طالبة من الرب أن يسمح لها أن تقدم أى شىء في هذا العيد المبارك. وفيما هى على هذه الحال وابنها على صدرها، إذ به يمسح دموعها بيديه ويشير إلى طبق به قليل من الدقيق. فأتت بالطبق، وإذ وضع الطفل يده بدأ الدقبق يتدفق حتى بدأ يسقط عل الأرض. أحضرت الأم كل ما لديها من مقاطف فامتلأت دقيقاً، ثم أتت إليه بجوار السمن والزيت و العسل، وإذ كان الطفل يضع يديه عليها امتلأت الجرار.
وهكذا صنعت السيدة وليمة عظيمة للفقراء تذكاراً لرئيس الملائكة ميخائيل.
حياة تكلاهيمانوت في سطور:
+ عندما بلغ عمره سبع سنوات علمه والده قراءة المزامير والكتب المقدسة وكتب الكنيسة، وكان يحفظ مايقرأه عن ظهر قلب.
+كان محباً للصلاة والصوم باتضاع و مثابرة عجيبة.
+رسمه الأنبا كيرلس مطران الحبشة شماساً وهو في الخامسة عشر من عمره، فى أيام البابا بنيامين. وكان قد ظهر للمطران ملاك يخبره عنه أنه مختار لملكوت السموات وهو عظيم أمام الرب، وانه سيسيمه شماساً. وقد تحقق ذلك وبقى 20 يوماً عند المطران ثم عاد إلى بلده.
+وفي الطريق تعرض له أحد الأشرار وضربه، فاستنجد بالملاك ميخائيل فأصابه ضرر. لكنه في ترفق وحنان صلى من أجله، فأتى الرجل بسرعة وخرّ أمامه فرفعه القديس.
+زوجاه والداه أحد بنات عظماء المدينة جبراً، لكنه إذ قد سلّم نفسه عروساً للرب، ودّ أن يبقى بنفسه وجسده بتولاً، فاتفق مع زوجته وبقيا بكرين حتى يوم انتقالها.
+رُسم كاهناً على يد الأنبا كيرلس وبعد مدة يسرية انتقلت"مختارة الله" في 22مسرى، وانتقل أبيه بعدها بأربعة أيام في 26مسرى.
قصص قصيرة لأبونا تادرس يعقوب ج1-قصة رقم 214

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق