يناير 01، 2013

الصباح الجديد


بقلم : مينا فوزى 

جلس على مقعد "الميكروباص" المتهالك، لكي يصل إلى موقف الأتوبيس الذي سيقله إلى منزله، الساعة تعدت الحادية عشر مساءً، والظلام الدامس يُخيم على الكون، مضى بعض الوقت على ركوبه، ولكن السائق مازال واقفاً ينتظر اكتمال المقاعد، شعر بالتعب في جميع عضلات جسده، تعب مميت يتمنى أن يستريح الآن، وليس بعد ساعة أو ساعتين عند وصوله إلى المنزل، لولا تماسكه يكاد يبكي وكل الأيام تمضي في تعب، تعب، تعب، بلا توقف، حتى أيام الجمعة التي من المفترض ان تكون أجازة اسبوعية، يجبره صاحب العمل على العمل فيها أيضاً، حتى يكان يجن من قلة الراحة وقلة النوم... ولكن كيف له أن يعترض وهو لم يجد عمل بديل، وفي هذا العمل يتقاضى راتب ليس بسيء على كل حال خمسمائة جنيهاً لشخص مثله لم يتعلم فهو راتب مناسب، وكيف يترك العمل وكل يوم طلبات الأبناء تزداد، هم صغار لايعرفون كيف يستغنون عن أشياء كثيرة مثلما يفعل هو، وهو لا يتذكر متى كانت آخر مرة اشترى فيها ملابس لنفسه، ولكن بالتأكيد كان هذا من زمن بعيد منذ بضع سنوات، لا سبيل لترك العمل ولكن هذا الرجل – صاحب العمل – يزداد استغلالاً له كلما أحس بضعفه. منذ شهور كثيرة لم يستمتع بأجازة واحدة, حتى في عيد الميلاد لم يرضى أن يعطيه أجازة بل أصر على حضوره. واليوم بعد العمل طوال النهار أرسله إلى منزله ليساعد زوجته في نقل الأساس على عربة إلى شقة جديدة اشتراها، وأي مكافأة أخذ بعد ساعات اضافية من العمل الشاق، خمس جنيهات فقط ... أحس بضيق شديد عندما تذكر ضعفه عندما أخذ هذه الجنيهات الخمس، والإبتسامة كانت على وجه صاحب العمل، وكأنه سعيد باستغلاله. كل الآخرين سيرفضون ذلك، ولكن هو لا يستطيع. كادت الدموع تسقط، ولكنه نظر من النافذه ليجد السيارة قد تحركت وهو غارق في احزانه، والمطر أيضاً بدأ يتساقط، يا لها من ليلة كبيسة، بعد كل هذا التعب سيتعب أكثر في الوصول إلى منزله... يالا الحظ السيء. ولكن استبد به الغضب، سوف أواجه غداً، هكذا صرح لنفسه أنه لا يفعل هكذا سوى معي أنا وحدي، سأرفض استغلاله، لن أتنازل عن أجازتي بعد الآن، فليعرف أنني انسان مثلي مثله، وليكن ما يكون. .. والأولاد ..؟!! هكذا تسائل بينه وبين نفسه ولكنه أجاب – ليكن ما يكون – لم يكن يعرف هل كان مستيقظاً أم نائماً عندما أحس بالهواء البارد في جنبه، لم يجد أحد بجانبه وصوت أجش يامره بالنزول، كان صوت شخص يبدوا عليه أنه مخبر مباحث.. تأمل حوله أنه "كمين شرطة!!" نزل وهو بين اليقظة والنوم.. ليجد الركاب يقفون في صف ينتظرون التفتيش، والضابط قد اقترب يتفحص وجوههم جميعاً.. شعر بامتعاض، فها هو اليوم يزداد صعوبة، تأخير وأمطار وها هو تفتيش وهدر لكرامته بالتأكيد. كان الضابط صغير في السن، مختالاً برتبته ووظيفته، متعجرف كثيراً، يسخر منهم وكأنهم متهمون في قضية، أو مسجونين لديه، وصل إليه وتأمل وجهه، وسأل في ثقة "ماذا تتعاطى أنت ؟" أجابه: "لا شيء اطلاقاً بل أنا رجل يسعى لكسب قوته، ولا أتحمل تلك الواقفة بعد يوم شاق من العمل." حمى غضب الضابط، صرخ فيه الضابط: أنه لا يعجبك أن تخضع للتفتيش !" تلعثم الرجل "لا بالطبع لكن.." لم يمهله فرصة للرد بل صرخ فيه "اخرس" وأمر أن يوضع في سيارة الشرطة، وصرف بقية الركاب. اقتيد للقسم في قسوة، وهناك لقى الكثير من الإهانات من الشرطة والمسجونين.. وخرج في ظلام الليل أيضاً بعد يومين دون أن يعرف لماذا دخل ولماذا خرج!! بل مضى إلى بيته ليستعد ليوم عمل جديد وكل ما يتمنه ان يصدق صاحب العمل قصته ولا يكون قد استغنا عنه بسبب يومين من الغياب في الصباح الجديد.
     الحياة مليئة بالصور وكثير منها صور حزينة, قد لا نلتفت لها في زحام الحياة        
ولكن لكي تنظر حولك وتحول ان تعرف هل وراء من حولك قصص حزينة وصور    بائسة لعلك تمد اليد لتساعدهم او على الاقل لا تكون انت من بين من صنعوا هذه الصورة