عجباً!! .. إن صندوق البريد الخاص بجارتي قد امتلأ بالخطابات، كما أن صندوق الجرائد بجوار بابها قد امتلأ هو الآخر. تُرى ماذا حدث لجارتي؟! .. هكذا حدَّثت نفسها الجارة الشابة وهي تحاول أن تتذكر آخر يوم رأت فيه جارتها العجوز .. نعم. نعم. منذ أكثر من أسبوعين رأيتها تغادر شقتها في زيارة لسيدة مريضة.
أسرعت الشابة تدق باب جارتها دقات متوالية قوية دون جدوى، وهكذا كان لا بد لها أن تُخطر الشرطة للتحقق من الأمر.
حضرت في الحال قوة من الشرطة واضطرت إلى كسر باب الشقة .. وبالداخل كانت السيدة الوقورة نائمة على سريرها وقد فارقت الحياة، وعلى وجهها مسحة هادئة من السلام والدعة. وكان التقويم الموجود بجانب سريرها يعلن آخر يوم في حياتها، وكان يسبق ذلك اليوم بثلاثة أيام.
أمسك الضابط التقويم وألقى عليه نظرة، فوجد مكتوباً على جميع الصفحات التي تسبق يوم الوفاة بأكثر من خمسة عشر يوماً، هذه الكلمات:
"لا يوجد زائرون اليوم"
تأسف الرجل في قلبه قائلاً: هذه السيدة عانت من الوحدة والألم مدة خمسة عشر يوماً كاملة دون رفيق أو معين وهي في أشد الاحتياج إلى شخص يرافقها ويقدم لها يد العون والمساعدة، غير أن أحداً من الأصدقاء لم يفكر في زيارتها.
وفي اليوم التالي حضر هذا الضابط حفل الوداع الأخير لهذه السيدة، وكم كانت دهشته كبيرة عندما قام عدد كبير من الأصدقاء فذكرواً كم كانت هذه السيدة لا تأل جهداً في زيارة المرضى وافتقاد اليتامى والأرامل. كم قدمت، كم بذلت من مالها وجهدها ووقتها ... كثيرون تكلموا، لكن لم يذكر أحد منهم أنه هو زارها أو قدم لها يد المعونة عندما كانت في أشد الاحتياج إليها.
أخي المؤمن .. "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" .. تذكَّروا دائماً أن كلمات المُجاملة لا تجدي نفعاً، فالمحبة الحقيقية تظهر في تضحية حقيقية من الوقت والجهد ومن المال أيضاً، وإلا فإننا في واقع الأمر أنانيون وغير مُحبين، حتى ولو كانت كلماتنا تفيض رقة وحناناً. الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه : افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم ( يع 1: 27 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق