الباخرة ”تيتانيك“ Titanic كانت باخرة
بريطانية فخمة لنقل الركَّاب، غرقت في المحيط الأطلنطي في ليلة 14/ 15 أبريل سنة
1912 (أي منذ 100 سنة) وهي في رحلة إلى نيويورك، مات فيها أكثر من 1500 شخص. وقد ألهم
غرقها أعمالاً فنية كثيرة.
”جون هاربر“ وُلد
لوالدين مسيحيَّيْن في 29 مارس 1872. وفي أواخر مارس 1886، حينما بلغ الرابعة عشرة
تعرَّف على شخص المسيح كإله وربٍّ. وبعد 4 سنين تملَّكته رغبة جارفة للتبشير بالمسيح،
فكان يخرج إلى شوارع قريته في إنجلترا ويبذل كل جهده في تعريف أهل قريته بالمسيح ليؤمنوا
به، ليس بالكلام، بل بالعمل والحق.
وكلَّما تقدَّم في السنِّ كان ينفعل جداً بكلمة
الله في الإنجيل. وحينما سأله بعض قسوس الكنيسة الإنجليزية عن هويَّته المذهبية، كان
يؤكِّد لهم: ”إنها كلمة الله“.
بعد 5 أو 6 سنين من التجوال في زوايا الشوارع مُبشِّراً
بالإنجيل، وبينما هو يعمل في ”مطحنة“ أثناء النهار، تبنَّاه أحد القسوس في لندن العاصمة.
هذا جعله يُكرِّس كل وقته للخدمة التي كانت عزيزة جداً على قلبه.
وفي سبتمبر عام 1896، بدأ يلتف حوله بعض الشباب
بلغ عددهم 25، ثم ازداد العدد إلى 50. وخلال 13 سنة بعد ذلك كان قد تزوَّج، ولكنه سرعان
ما أصبح أرملاً بسبب وفاة زوجته. إلاَّ أنَّ ثمرة زواجه أن باركه الله بابنة جميلة
صغيرة أسماها ”نانا“.
+ ومن سخرية الأقدار
أن ”جون هاربر“ غرق عدة مرات أثناء حياته. فعندما بلغ الثانية والنصف من عمره، غرق
حينما سقط في بئر، لكنه عاد إلى وعيه بعد إغماءة أصابته. وفي سنِّ السادسة والعشرين،
كان يسبح ضد التيار فانجرف وكاد يغرق وأُنقِذ. وفي سنِّ الثانية والثلاثين واجه الموت
وهو على سفينة تسرَّب الماء داخلها في البحر المتوسط. وربما يكون الله قد استخدم هذه
الخبرات ليُعِدَّه لِمَا سوف يواجهه فيما بعد.
+ وفي ليلة 14 أبريل
1912، أقلعت السفينة تيتانيك بهدوء على صفحة مياه المحيط، إلاَّ أن مياهه كانت شديدة
البرودة. وعلى ظهر هذه السفينة الرائعة الفخمة كان هناك الكثير من الأغنياء والمشهورين.
وكانت هذه السفينة مُعتَبَرة أنها أكبر إنجاز بشري في ذلك الوقت. ولكن في الساعة
11.40 مساءً من تلك الليلة المشئومة، اكتسح جبل جليدي الجانب الأيمن من السفينة، مِمَّا
أغرق ظهر السفينة بالجليد، وتدفقت المياه داخل 6 حجرات للسدود التي تمنع تسرُّب الماء
إلى السفينة.
+ وعلى سطح السفينة
كان ”جون هاربر“ ومعه ابنته المحبوبة ذات السنوات الست ”نانا“. وبحسب التقارير المستندية،
وحالما أصبح واضحاً أن السفينة على وشك الغرق، أخذ ”جون هاربر“ في الحال ابنته إلى
قارب النجاة. وكان من المنطقي أن نفهم أن هذا المُبشِّر الأرمل كان يمكنه هو الآخر
أن ينتقل إلى قارب النجاة مع ابنته لينجو من الغرق، ولكن يبدو أن هذا الفكر لم يعبُر
على ذهنه مجرد عبور. لكنه انحنى وقبَّل ابنته الغالية عليه، ونظر إلى عينيها وقال لها:
إنه يرجو أن تراه مرة أخرى يوماً ما.
وتوقَّفت أنوار الإشارة طلباً للإنقاذ، والسماء
الداكنة تُظلِّل فوقهم، وسط الدموع المترقرقة على وجه ”جون هاربر“، بينما كان يتحوَّل
ليتوجَّه نحو جموع الناس اليائسة من النجاة فوق سفينة المحيط.
وحين بدأت مؤخِّرة السفينة الضخمة تتمايل إلى فوق،
فقد رُئي ”هاربر“ يأخذ طريقه إلى سطح السفينة وهو يصرخ: ”أيها النساء والأطفال الذين
لم ينجوا، أسرعوا إلى داخل قوارب النجاة“!
ولم تمر سوى دقائق معدودات حتى بدأت ”تيتانيك“ تقرقر
من الداخل. وظن الناس أن هذا صوت انفجار، ولكن الحقيقة أن هذه السفينة العملاقة كانت
قد بدأت تنشقُّ الآن إلى نصفين. وعند هذه اللحظة قفز الكثيرون من الركَّاب من على ظهر
السفينة إلى المياه الجليدية الكثيفة. وكان ”هاربر“ أحد هؤلاء القافزين.
+ وفي تلك الليلة
كان 1528 شخصاً قد ألقوا بأنفسهم إلى أسفل خارج السفينة. ورأى البعض ”هاربر“ يسبح باهتياج
شديد متوجِّهاً إلى الناس وهم في عرض المحيط، وكان يُخاطبهم طالباً منهم أن يُسلِّموا
حياتهم للمسيح في هذه اللحظات الحاسمة قبل أن تصل درجة برودة المياه إلى درجة خطرة.
وظل ”هاربر“ يسبح إلى أن التقى بشاب كان قد قفز
على قطعة من حطام السفينة. وسأله ”هاربر“ بأنفاس متقطِّعة: ”هلا تُبتَ وسلَّمتَ حياتك
للمسيح الآن؟“. وردَّ عليه الشاب بالنفي.
وأجهد ”هاربر“ نفسه ليجعل هذا الشاب - الذي على
وشك الانهيار حتى أنه رفض قبول المسيح - أن يقبل المسيح. حينئذ خلع ”هاربر“ جاكتته
المُبطَّنة بالصوف ضد البرد وألقاها لهذا الشاب وقال له: ”خُذْ هذه فأنت في احتياج
إليها أكثر مني“. ثم سَبَحَ بعيداً عنه متوجِّهاً إلى أُناس آخرين. وبعد دقائق قليلة،
عاد مرة أخرى سابحاً إلى هذا الشاب، ونجح في جَعْله يُسلِّم حياته للمسيح في هذه اللحظات.
+ ومن بين الـ
1528 شخصاً الذين نزلوا إلى المياه في تلك الليلة، أُنقِذَ 6 أشخاص في قوارب النجاة.
وكان هذا الشاب واحداً منهم.
+ وبعد 4 سنوات، وفي
اجتماع روحي، وقف هذا الشاب والدموع تنهمر من عينيه، وسرد كيف أن ”جون هاربر“ أنقذ
حياته، ليس فقط من الموت غرقاً، بل وأيضاً وأهم من ذلك أنقذه من الموت الأبدي.
+ وحاول ”جون هاربر“،
في ذلك الوقت، أن يسبح عائداً إلى الناس السابحين في المحيط، ولكنه بسبب البرد القارص،
وليس على جسده الجاكت الذي ألقاه إلى ذلك الشاب، أصبح ”هاربر“ عاجزاً عن السباحة.
وكانت كلماته الأخيرة قبل سقوطه تحت المياه المُثلَّجة:
- ”آمنوا باسم الرب
يسوع وأنتم تخلصون“.
+++
+ والآن هل تذكَّر
الفيلم الذي أنتجته ”هوليوود“ بعد ذلك بعشرات السنين، هذا البطل الشجاع؟ لا، طبعاً.
ولكن لا يهمُّ ذلك، يكفي أن خادم الله فعل ما كان عليه أن يفعله، بينما كان غيره من
الناس يحاولون أن يشقُّوا طريقهم إلى قوارب النجاة لينجوا بأنفسهم من الغرق. أما ”هاربر“
فقد بذل حياته حتى ينجو الآخرون، هنا في هذا الدهر، وهناك في الدهر الآتي.
+ «ليس لأحد حُبٌّ
أعظم من هذا أن يضع أحدٌ نفسه لأجل أحبائه» (يو 15: 13).
- هذه القصة ذُكِرَت
في مقال بعنوان:
"The Titanic's Last Hero", Moody Press 1997