قصة من أوربا الشرقيه
عاشت طاطا ووالدتها في بلدة ريفية بجوار منطقة غابات تتحول في الشتاء إلى قطعة من الثلج، حيث يكسو الثلج الأشجار وتتغطى كل الأرض بطبقة كثيفة منه. وكانت لديهم فتاة صغيرة خادمة اسمها باطا، رقيقة جدًا وبشوشة، تخدمهما بفرح وتهليل، بينما كانت علامات التبرم والبؤس تظهر على وجه طاطا وعلى وجه والدتها.
شعرت طاطا بالغيرة من خادمتها الصغيرة فكل أهل القرية كانوا يحبونها ويلاطفونها، وكانوا معجبين ببشاشتها. إذ حلّ فصل الشتاء واكتست القرية كلها بالثلوج، أرادت طاطا أن تتخلص من باطا، فقالت لها: "اذهبي إلى الغابة واقطفي لي خمسة زهور من البنفسج وتعالي. احذري أن تأتي بدون الزهور، فإنك ستنالين عقابًا مرًا".
تعجبت باطا من الطلب، وبرقة قالت لسيدتها طاطا: "ألا تعلمين أن الشتاء قد حلً، والثلج يملأ الغابة، فكيف نجد زهرة بنفسج وسط الثلوج؟"
قبل أن تجيب طاطا صرخت الأم في وجه باطا: "لماذا تقولين هذا؟ ألا تسمعي لسيدتك. اخرجي إلى الغابة، وأنا أحذرك من العود دون أن تحضري طلبة سيدتك".
خرجت باطا وهي لا تعرف ماذا تفعل، لكنها انطلقت إلى الغابة وكانت رجلاها تغرسان في الثلج. وإذ شعرت بالريح الشديد والثلج الذي كاد يجمدها صرخت إلى الله لكي يرشدها ماذا تعمل؟. فجأة لاحظت نارًا متقدة على تل بالقرب منها وحوله يجلس اثنا عشر رجلًا، أربعة يلبسوه ثيابًا بيضاء، وأربعة ثيابًا خضراء، وأربعة ثيابًا لونها بني والأربعة الآخرين ثيابهم رصاصية اللون.
انطلقت إليهم وهي ترتعش، وبرقة قالت لهم: "سادتي الأحباء هل تسمحوا لي أن استدفئ، فإني كدت أتجمد، وأنا أطمع في محبتكم وحنوّكم!".
إذ جلست باطا بجوار النار شعرت بالدفئ وصارت تشكر الرجال على محبتهم وترفقهم بها.
تطلّع إليها أحد الرجال اللابسين الثياب البيضاء وقال لها: "أُعرّفك بنفسي فأنا يناير، فمن أنت؟ وما الذي جاء لك إلى هذه الغابة؟ وماذا تطلبين؟" أجابته الفتاة: "أنا فتاة أعيش مع سيدتي الصغيرة طاطا ووالدتها. إني أحبهما وأخدمهما بكل قلبي، واشتهي سعادتهما، ولم أرفض لهما أي طلب. واليوم صباحًا طلبت مني طاطا أن أقطف خمسة زهور من البنفسج من الغابة، ولما قلبت لها أنه لا يوجد زهور بنفسج وسط الثلج، زجرتني هي ووالدتها".
تسللت الدموع من عيني باطا، لكن يناير قال لها: "لا تبكين يا ابنتي اللطيفة، فإننا كلنا نخدمك كما أنتِ تخدمين الآخرين" ثم طلب يناير من مارس أن يخدم هذه الفتاة الرقيقة في كلماتها وتصرفاتها. للحال نفخ الأستاذ مارس في النار فاشتعلت جدًا وذاب الثلج ثم ظهرت بعض زهور البنفسج.
لم تعرف كيف تشكر باطا هؤلاء الرجال؛ وفي بهجة قلبها قطفت بعض زهور البنفسج وهي تقول لهم: "شكرًا لكم فإنهم ستفرحون قلب طاطا وقلب والدتها.
انطلقت إلى المنزل وكان المساء قد حلّ، وكم كانت دهشة طاطا ووالدتها حين رأتا زهور البنفسج في يديها تقدمها وهي متهللة.
أخذت طاطا الزهور دون أن تنطق بكلمة شكر، وتطلعت لوالدتها كأنها تريد أن تقول شيئًا. عرفت الأم ما في ذهن ابنتها طاطا، فسألت باطا "من أين أتيت بهذه الزهور؟"
روت باطا لهما ما حدث معها فتعجبتا جدًا، خاصة وأن رائحة الزهور كانت جميلة وظهر عليها أنها مقطوفة حديثًا.
في الصباح تطلعت طاطا إلى باطا، وقالت لها: "اذهبي احضري لي خمسة تفاحات من الغابة". وقبل أن تنطق باطا بكلمة زجرتها الأم وأمرتها أن تطيع دون أن تنطق بكلمة، وإلا تعرضت لعقوبة قاسية.
خرجت باطا إلى الغابة وتكرر معها ما حدث باليوم السابق، ودُهش الرجال لعودة باطا. سألها الأستاذ يناير: "لماذا رجعتِ اليوم؟" أجابته أن طاطا تطلب مني خمسة تفاحات من الغابة، ونحن في شهر يناير وسط الثلوج قد تغطّت أشجار التفاح بالثلوج!"
بلطف طلب الأستاذ يناير من الأستاذ يونيو أن يساعد هذه الفتاة التقية المحبة شجرة تفاح مثمرة، وإذ طلب يونيو منها أن تهز الشجرة سقطت تفاحتان، فأخذتهما وشكرت جميع الرجال وانطلقت إلى البيت.
بالمساء إذ قرعت الباب فتحت طاطا ودُهشت فإن باطا تحمل تفاحتين. أخذت طاطا التفاحتين وبعنف شديد وبّخت باطا: "حتمًا لقد أكلتي الثلاثة تفاحات! "أما باطا ففي هدوء شديد روت لهما ما حدث وأن ما سقط من الشجرة تفاحتين أحضرتهما لها. وإذ أرادت طاطا أن تعاقب باطا أمسكت والدتها بيدها ودخلت بها إلى حجرتها، ثم قالت لها: "لنذق طعم التفاحتين، فإنني لم أرَ تفاحًا كهذا من قبل، من جهة شكله ورائحته وحجمه!". إذ أكلتا التفاحتين قالت الأم لابنتها: "أشير عليك أن تذهبي غدًا إلى الغابة حتى تجمعي كل تفاح الشجرة فنأكلها معًا!"
في الصباح الباكر جدًا خرجت طاطا إلى الغابة، ومع كل ما ارتدته من ثياب خاصة بفترة الثلج، كان الريح شديدًا حتى كادت أن تتجمد. كانت تجري في الاتجاه الذي أخبرتها عنه باطا. وأخيرًا رأت التل وعليه يقف الرجال حول النار. انطلقت نحو النار لتستدفئ.
سألها الأستاذ يناير: "من أنتِ؟ ولماذا أتيت إلى هنا؟"
بوجه عبوس صرخت في وجهه: "لماذا تسألني؟ ليس من حقك أن تعرف؟"
تضايق الأستاذ يناير من ردّها العنيف وطلب من الرجال أن يتركوها وحدها، فهبّت رياح شديدة وانطفأت النار، ولم تعرف طاطا ماذا تفعل، فقد كادت تتجمد من الثلج والرياح، وصارت عاجزة عن الحركة.
مرّت الساعات حتى حلّ المساء، ولم تحضر طاطا، فقلقت والدتها جدًا، وانطلقت إلى الغابة وسط الظلام في الجو العاصف تبحث عن ابنتها.
بقيت باطا في المنزل وحدها، وكانت دموعها لا تجف وهي تترقب مجيء طاطا ووالتها. لم تنم الليل كله وحلّ الصباح وعبر يوم فيومين فأسبوع فشهر وأدركت أنهما حتمًا قد تجمّدا وماتا.,
استلمت باطا البيت وكل ما فيه وورثت كل ممتلكاتهما، وفي إحدى الأمسيات سمعت طرقًا على الباب، ففتحته وإذا بها تجد الاثني عشر رجل واقفين.
استقبلتهم ببشاشة وحب وشكر من أجل عملهم معها، وإذ سألتهم إن كانوا يعرفون شيئًا عن طاطا ووالدتها، فأخبروها بأنها بسبب عنفها وقسوة قلبها لم تجد من يعينها، فتجمدت ودفنت في وسط الثلوج في الغابة، ولا يعرف أحد موضعهما.
بكت باطا عليهما بمرارة، لكن الرجال طيّبوا قلبها وتقدموا إليها قائلين: نحو شهور السنة كلها؛ هوذا الأربعة فصول في خدمتك. أوجدنا الله إلهك من أجلك، كل منّا يقدم لكِ ما هو لبنيانك.
هب لي يا رب روح الحنو واللطف،
فأتمتع بحنوك ولطفك.
الزمن كله يصير في خدمتي.
والعدو إبليس يسقط تحت قدمي!
هب لي أشاركك اللطف يا كلي الحب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق